فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قيل: لا يجوز ذلك؛ لأنك إذا أبدلت أن من {الذين كفروا} كما أبدلت إنَّ من {إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} لزمك أن تنصب {خَيْرًا} على تقدير: لاَ تَحْسَبَنَّ إملاء الذين كفروا خيرًا لأنفسهم، من حيثُ كان المفعولُ لـ {تَحْسَبَنَّ}.
انتهى ما رد به عليه، فلم يَبْقَ إلا الترجيح بين نَقْل الزجَّاج وابنِ مجاهد.
قال شهاب الدين: ولا شك أن ابنَ مجاهدٍ أَعْنَى بالقراءات، إلا أن الزَّجَّاجَ ثقةٌ، ويقول: قرأ به خلقٌ كثيرٌ وهذا يبعد غلطه فيه، والإثبات مقدم على النفي، وما ذكره أبو علي- من قوله: وإذا لم يجز لا كسر {إن}.... الخ- هذا- أيضا مما لم يقرأ به أحد.
قال مَكِّي: وجه القراءة لمن قرأ بالتاء- يعني بتاء الخطاب- أن يكسر {إنَّما} فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني، ولم يقرأ به أحدٌ علمته.
وقد نقل أبو البقاء أن نصب {خَيْرًا} قراءة شاذة قال: وقد قرئَ شَاذًّا بالنصب، على أن يكون {لأَنْفُسِهِمْ} خبر {أن} و{لَهُمْ} تبيين، أو حال من {خَيْر}.
يعني: أنه لما جعل {لأَنْفُسِهِم} الخبر، جعل {لَهُم} إما تبيينًا، تقديره: أعني لهم وإما حالًا من النكرة المتأخرة، لأنه كان في الأصل صفة لها. والظاهر- على هذه القراءة- ما تقدم من كون {لَهُمْ} هو الخبر، ويكون {لأَنْفُسِهِمْ} في محل نصب؛ صفة لـ {خَيْرٌ}- كما كان صفة له في قراءة الجمهور.
ونقل- أيضا- قراءة كسر أن وهي قراءة يحيى، وخرجها على أنها جواب قسم محذوف، والقسم وجوابه يسد مَسَدَّ المفعولينِ، ولا حاجة إلى ذلك، بل تخريجها على ما تقدم أَوْلَى؛ لأن الأصل عدم الحذفِ.
والإملاء: الأمهالُ والمَدُّ في العمرِ ومنه مَلاَوَةُ الدهر- للمدة الطويلة- يقال: مَلَوْتُ من الدهر مَلْوَةً ومِلْوَةً ومُلْوَةً ومَلاوةً ومِلاَوَةً ومُلاَوَةً بمعنىً واحد.
قال الأصمعيُّ: يقال أملى عليه الزمان- أي: طال- وأملى له- أي: طوَّل له وأمهله- قال أبو عبيدة: ومه: الملا- للأرض الواسعة- والمَلَوَان: الليل والنهار، وقولهم: مَلاَّكَ الله بِنعَمِه أي: مَنَحَكَها عُمْرًا طَوِيلًا-.
وقيل: المَلَوَانِ: تكرُّر الليل والنهار وامتدادُهما، بدليلِ إضافتهما إليهما في قول الشّاعرِ: [الطويل]
نَهَارٌ وَلَيْلٌ دَائِمٌ مَلَوَاهُمَا ** عَلَى كُلِّ حَلِ المَرْءِ يَخْتَلِفَانِ

فلو كانا الليلَ والنَّهارِ لما أُضِيف إليهما؛ إذ الشيءُ لا يُضاف إلى نفسه. فقوله: {أنما نملي لهم} أصل الياء واوٌ، ثم قُلِبَت لوقوعها رابعة.
قوله: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًا} قد تقدم أن يحيى بن وثَّاب قرأ بكسر الأولى وفتح هذا فيما نقله الزمخشريُّ وتقدم تخريجُها، إلا أن أبا حيّان قال: أنه لم يَحْكِها عنه غير الزمخشريِّ بل الَّذِينَ نقلوا قراءةَ يحيى إنما نقلوا كسر الأولى فقط، قال: وإنما الزمخشريُّ- لولوعه بنْصرة مذهبه- يروم رد كل شيء إليه.
قل شهابُ الدِّينِ: وهذا تحامُلٌ عليه؛ لأنه ثقةٌ، لا ينقل ما لم يُرْوَ. وأما على قراءة كسرها ففيها وجهان:
الأول: أنها جملة مستأنفة، تعليلٌ للجملة قبلها، كأنه قيل: ما بالُهُمْ يحسبون الإملاء خيرًا؟ فقيل {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًا} وإنّ- هنا مكفوفة بما ولذلك كُتِبَتْ متصلة- على الأصل ولا يجوز أن تكون موصولة- اسمية ولا حرفية- لأن لام كي لا يصح وقوعها خبرًا للمبتدأ ولا لنواسخه.
الثاني: أنّ هذه الجملة تكريرٌ للأولى.
قال أبو البقاء: وقيل: {إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} تكريرٌ {لَهُمْ} تكريرٌ للأول، و{لِيَزْدَادوا} هو المفعول الثاني لـ {تَحْسَبَنَّ} على قراءة التاء، والتقدير: ولا تحسبنّ يا محمد إملاء الذين كفروا ليزدادوا إيمانًا، بل ليزدادوا إثمًا. ويُرْوَى عن بعض الصحابة أنه قرأها كذلك.
قال شِهَابُ الدينِ: وفي هذا نظر، من حيث أنه جعل {لِيَزْدَادوا} هو المفعول الثاني، وقد تقدم أن لام كي لا تقع خبرًا للمبتدأ ولا لنواسخه، ولأن هذا إنما يتم له على تقدير فتح الثانيةِ، وقد تقدم أنّ أحدًا لم ينقلها عن يحيى إلا الزمخشريّ والذي يقرأ {تَحْسَبَنَّ}- بتاء الخطاب- لا يفتحها ألبتة.
واللام في {ليزدادوا} فيها وجهان:
أحدهما: أنها لام كي.
والثاني: أنها لامُ الصَّيْرُورَةِ.
قوله: {وَلَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ} في هذه الواو قولان:
أحدهما: أنها للعطف؟
والثاني: أنها للحالِ، وظاهرُ قول الزمخشريُّ أنها للحالِ في قراءة يَحْيى بن وثَّاب فقط؛ فإنه قال: فإن قلت: ما معنى القراءة- يعني: قراءة يحيى التي نقلها هو عنه؟
قلتُ: معناه: ولا تحسبوا أن إملاءه لزيادة الإثم والتعذيب، والواو للحال، كأنه قيل: ليزدادوا إثْمًا مُعَدًّا لهم عذابٌ مهينٌ.
قال أبو حيَّان: بعد ما ذكر من إنكاره عليه نَقْل فَتْح الثانية عن يحيى كما تقدم-: ولما قَرَّرَ في هذه القراءة أن المعنى على نَهْي الكافر أن يحسب أنما يُملي اللهُ لزيادة الإثم، وأنه إنما يملي لزيادة الخير، كان قوله: {وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يدفع هذا التفسير، فخرج ذلك على أن الواو للحالِ، حتى يزول هذا التدافعُ الذي بين هذه القراءة، وبين ظاهر آخر الآية. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو بكر المروزي في الجنائز وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة، إن كان برًا فقد قال الله: {وما عند الله خير للأبرار} وإن كان فاجرًا فقد قال الله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا}.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الدرداء قال: ما من مؤمن إلا الموت خير له، وما من كافر إلا الموت خير له. فمن لم يصدقني فإن الله يقول: {وما عند الله خير للأبرار} [آل عمران: 198] {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا ولهم عذاب مهين}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب قال: الموت خير للكافر والمؤمن، ثم تلا هذه الآية، ثم قال: إن الكافر ما عاش كان أشد لعذابه يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي برزة قال: ما أحد إلا والموت خير له من الحياة، فالمؤمن يموت فيستريح، وأما الكافر فقد قال الله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير} الآية. اهـ.

.تفسير الآية رقم (179):

قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان مطلق المسارعة أعم مما بالعوض، وهو أعم مما بالرجوع، جاء نظم الآيات على ذاك؛ ولما كشفت هذه الوقعة جملة من المغيبات من أعظمها تمييز المخلص فعلًا أو قولًا من غيره، أخبر تعالى أن ذلك من أسرارها على وجه يشير إلى النعي على المنافقين بتأخيرهم أنفسهم بالرجوع وغيره فقال مشيرًا بخطاب الأتباع إلى مزيد علمه صلى الله عليه وسلم وعلو درجته لديه وعظيم قربه منه سبحانه وتعالى: {ما كان الله} أي مع ما له من صفات الكمال.
ولما كان ترك التمييز غير محمود، عبر بفعل الوذر، وأظهر موضع الإضمار لإظهار شرف الوصف تعظيمًا لأهله فقال: {ليذر المؤمنين} أي الثابتين في وصف الإيمان {على ما أنتم عليه} من الاختلاط بالمنافقين ومن قاربهم من الذين آمنوا على حال الإشكال للاقتناع بدعوى اللسان دليلًا على الإيمان {حتى يميز الخبيث من الطيب} بأن يفضح المبطل وإن طال ستره بتكاليف شاقة وأحوال شيديدة، لا يصبر عليها إلا المخلص من العباد، المخلصون في الاعتقاد {وما كان الله} لاختصاصه بعلم الغيب {ليطلعكم على الغيب} أي وهو الذي لم يبرز إلى عالم الشهادة بوجه لتعلموا به الذي في قلوبهم مع احتمال أن يكون الرجوع للعلة التي ذكروها في الظاهر والقول لشدة الأسف على إخوانهم {ولكن الله} أي الذي له الأمر كله {يجتبي} أي يختار اختيارًا بليغًا {من رسله من يشاء} أي فيخبر على ألسنتهم بما يريد من المغيبات كما أخبر أنهم برجوعهم للكفر أقرب منهم للإيمان، وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
ولما تسبب عن هذا وجوب الإيمان به قال: {فآمنوا بالله} أي في عالم الغيب والشهادة، له الأسماء الحسنى {ورسله} في أنه أرسلهم وفي أنهم صادقون في كل ما يخبرون به عنه.
ولما كان التقدير: فإنكم إن لم تؤمنوا كان لكم ما تقدم من العذاب العظيم الأليم المهين، عطف عليه قوله: {وإن تؤمنوا} أي بالله ورسله {وتتقوا} أي بالمداومة على الإيمان وما يقتضيه من العمل الصالح {فلكم أجر عظيم} أي منه أنه لا يضركم كيد أعدائكم شيئًا كما تقدم وعدكم به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية من بقية الكلام في قصة أحد، فأخبر تعالى أن الأحوال التي وقعت في تلك الحادثة من القتل والهزيمة، ثم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اياهم مع ما كان بهم من الجراحات إلى الخروج لطلب العدو، ثم دعائه اياهم مرة أخرى إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان، فأخبر تعالى أن كل هذه الأحوال صار دليلا على امتياز المؤمن من المنافق، لأن المنافقين خافوا ورجعوا وشمتوا بكثرة القتلى منكم، ثم ثبطوا وزهدوا المؤمنين عن العود إلى الجهاد، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يجوز في حكمته أن يذركم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم وإظهارهم أنهم منكم ومن أهل الإيمان بل كان يجب في حكمته إلقاء هذه الحوادث والوقائع حتى يحصل هذا الامتياز، فهذا وجه النظم. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} كلام مستأنف مسوق لوعد المؤمنين ووعيد المنافقين بالعقوبة الدنيوية وهي الفضيحة والخزي إثر بيان عقوبتهم الأخروية، وقدم بيان ذلك لأنه أمس بالإملاء لازدياد الآثام، وفي هذا الوعد والوعيد أيضا ما لا يخفى من التسلية له صلى الله عليه وسلم كما في الكلام السابق، وقيل: الآية مسوقة لبيان الحكمة في إملائه تعالى للكفرة إثر بيان شريته لهم، ولا يخفى أنه بعيد فضلًا عن كونه أقرب، والمراد من المؤمنين المخلصون والخطاب على ما يقتضيه الذوق لعامة المخلصين والمنافقين ففيه التفات في ضمن التلوين، والمراد بما هم عليه اختلاط بعضهم ببعض واستواؤهم في إجراء أحكام الإسلام عليهم، وإلى هذا جنح المحققون من أهل التفسير، وقال أكثرهم: إن الخطاب للمنافقين ليس إلا ففيه تلوين فقط، وذهب أكثر أهل المعاني إلى أنه للمؤمنين خاصة ففيه تلوين والتفات أيضا.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس وابن جرير وغيره عن قتادة أنه للكفار، ولعل المراد بهم المنافقون وإلا فهو بعيد جدًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}.
استئناف ابتدائي، وهو رجوع إلى بيان ما في مصيبة المسلمين من الهزيمة يوم أُحُد من الحِكم النافعة دُنيا وأخرى، فهو عود إلى الغرض المذكور في قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} [آل عمران: 166] بيّن هنا أنّ الله لم يرد دوام اللبس في حال المؤمنين والمنافقين واختلاطهم، فقدّر ذلك زمانًا كانت الحكمة في مثله تقتضي بقاءه وذلك أيّام ضعف المؤمنين عقب هجرتهم وشدّة حاجتهم إلى الاقتناع من الناس بحسن الظاهر حتّى لا يبدأ الانشقاق من أوّل أيّام الهجرة، فلمّا استقرّ الإيمان في النفوس، وقرّ للمؤمنين الخالصين المُقام في أمْن، أراد الله تعالى تنهية الاختلاط وأن يميز الخبيث من الطيّب وكان المنافقون يكتمون نفاقهم لمَّا رأوا أمر المؤمنين في إقبال، ورأوا انتصارهم يوم بدر، فأراد الله أن يفضحهم ويظهر نفاقهم، بأن أصاب المؤمنين بقَرح الهزيمة حتّى أظهر المنافقون فرحهم بنصرة المشركين، وسجّل الله عليهم نفاقهم باديًا للعيان كما قال:
جَزَى الله المصائبَ كلّ خير ** عرفتُ بها عدوّي من صديقي

. اهـ.

.قال القرطبي:

قال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرّقون بها بين المؤمن والمنافق؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} الآية.
واختلفوا مَن المخاطب بالآية على أقوال.
فقال ابن عباس والضحاك ومقاتِل والكلبيّ وأكثر المفسرين: الخطاب للكفار والمنافقين.
أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر والنفاق وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الكلبيّ: إن قريشًا من أهل مكة قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: الرجلُ منا تزعم أنه في النار، وأنه إذا ترك دِيننا واتبع دينكَ قلتَ هو من أهل الجنةا فأخبرنا عن هذا من أين هو؟ وأخبرنا مَن يأتيك منا؟ ومَن لم يأتك؟.
فأنزل الله عزّ وجلّ: {مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} من الكفر والنفاق {حتى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
وقيل: هو خطاب للمشركين.
والمراد بالمؤمنين في قوله: {لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} من في الأصلاب والأرحام ممن يؤمن.
أي ما كان الله ليذر أولادكم الذين حكم لهم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك، حتى يفرق بينكم وبينهم؛ وعلى هذا {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ} كلام مستأنف.
وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين.
وقيل: الخطاب للمؤمنين.
أي وما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق، حتى يميِّز بينكم بالمحنة والتكليف؛ فتعرفوا المنافق الخبيث، والمؤمن الطيب.
وقد مَيَّزَ يوم أُحُد بين الفريقين.
وهذا قول أكثر أهل المعاني. اهـ.

.قال الفخر:

قد ذكرنا أن معنى الآية: ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق واشباهه حتى يميز الخبيث من الطيب، أي المنافق من المؤمن.
واختلفوا بأي شيء ميز بينهم وذكروا وجوها:
أحدها: بإلقاء المحن والمصائب والقتل والهزيمة، فمن كان مؤمنا ثبت على إيمانه وعلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن كان منافقا ظهر نفاقه وكفره.
وثانيها: أن الله وعد بنصرة المؤمنين وإذلال الكافرين، فلما قوي الإسلام عظمت دولته وذل الكفر وأهله، وعند ذلك حصل هذا الامتياز.
وثالثها: القرائن الدالة على ذلك، مثل إن المسلمين كانوا يفرحون بنصرة الإسلام وقوته، والمنافقين كانوا يغتمون بسبب ذلك. اهـ.